ريادة التعليم في السعودية- رؤية طموحة، إنجازات عالمية

المؤلف: د. بدر الحسين08.23.2025
ريادة التعليم في السعودية- رؤية طموحة، إنجازات عالمية

التعليم هو الدعامة الأساسية لتقدم المجتمعات ونهضتها، والمنطلق الجوهري لبناء الحضارات وازدهارها. فما من أمة سادت ولا حضارة تألقت إلا وأعطت التعليم مكانة مرموقة، ووفرت لأجيالها الصاعدة كل ما يلزمهم من علوم ومعارف متجددة، ومهارات متنوعة، وقيم نبيلة.

منذ بزوغ فجر أول نظام تعليمي في ربوع المملكة عام 1926م، ومروراً بتأسيس وزارة المعارف في عام 1953م، والتي تولى حقيبتها الوزارية خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله- كأول وزير لها، وصولاً إلى عصرنا الحاضر، لا تزال المملكة العربية السعودية تولي المعلم جل اهتمامها وتقديرها، فهو الذي يحمل مشاعل العلم والمعرفة، ويوصلها إلى أبناء الجيل، ويغرس في نفوسهم أسمى القيم الفاضلة، ويشكل لديهم اتجاهات إيجابية نحو كل ما هو خير وسامٍ.

وتجسيداً لعناية المملكة الفائقة بالمعلم، فقد سخرت جهوداً مضنية لتوفير برامج متكاملة لإعداد المعلمين وتأهيلهم، لتمكينهم من اكتساب الكفايات التربوية والتدريسية الرفيعة، والجدارات اللازمة لممارسة المهنة على أكمل وجه، وإطلاعهم على أحدث الخبرات العالمية الرائدة التي تثري معارفهم وتوسع آفاقهم، وتمكنهم من استيعاب المزايا التي تنطوي عليها الثقافات الأخرى في ميادين التربية والتعليم والتعلم، بما يضمن تطورهم المهني المستمر، ويعينهم على الارتقاء بمستوى المؤسسات التعليمية التي يعملون فيها.

لقد عشت تجربة المملكة العربية السعودية التعليمية عن كثب على مدار ربع قرن من الزمان، من خلال عملي في قطاعي التعليم العام والجامعي. ويحق لي القول وبكل ثقة واعتزاز: إن المملكة العربية السعودية قد خطت خطوات واسعة، وحققت إنجازات باهرة في مجال التعليم، وذلك بفضل إصرارها الراسخ على التطور والتحسين المستمر في هذا القطاع الحيوي، والاستثمار الأمثل في رأس المال البشري، وحرصها الدائم على مواكبة المستجدات العصرية المتسارعة، ودفع عجلة التنمية والتقدم إلى الأمام بخطى واثقة.

لقد عبّرت المملكة عن اهتمامها العميق بالتعليم من خلال رؤيتها الطموحة (2030)، والتي أكدت على ما يلي: «سنرسخ القيم الإيجابية في شخصيات أبنائنا عن طريق تطوير المنظومة التعليمية والتربوية بجميع مكوناتها، مما يمكن المدرسة بالتعاون مع الأسرة من تقوية نسيج المجتمع، من خلال إكساب الطالب المعارف والمهارات والسلوكيات الحميدة ليكون ذا شخصية مستقلة تتصف بروح المبادرة والمثابرة والقيادة ولديها القدر الكافي من الوعي الذاتي والاجتماعي والثقافي، وسنعمل على استحداث مجموعة كبيرة من الأنشطة الثقافية والاجتماعية والتطوعية والرياضية عبر تمكين المنظومة التعليمية والثقافية والترفيهية».

وفيما يلي عرض لأبرز الملامح التي تميز تجربة المملكة العربية السعودية الرائدة في مجال التعليم:

أولاً: تطبيق مشروع بوابة المستقبل:

في عام 1438هـ، تم إطلاق مشروع (بوابة المستقبل) كخطوة رائدة نحو التحول الرقمي الشامل في المدارس، وذلك بتطبيقه في البداية على 150 مدرسة، ثم توسع في العام التالي ليشمل 1500 مدرسة، بهدف تحويل جميع المدارس في المملكة إلى بيئة رقمية تفاعلية، وتمكين الطلاب والطالبات من الاستفادة القصوى من التقنية وتسخيرها في العملية التعليمية.

ثانياً: عقد اتفاقيات مع الدول المتقدمة في مجال التعليم:

في عام 1443 هـ، تم إبرام اتفاقية تعاون مثمرة بين وزيري التعليم السعودي والكوري، وذلك من خلال اللجنة السعودية - الكورية المشتركة، بهدف تعزيز التعاون العلمي والبحثي والابتكاري بين البلدين. وشمل التعاون مجالات التعليم الإلكتروني وتوظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في أساليب التدريس الحديثة، بالإضافة إلى تعزيز التعاون في مجال التعليم الجامعي فيما يخص تبادل الطلاب والطالبات وأعضاء هيئة التدريس والبعثات العلمية، وتنظيم الزيارات المتبادلة بين منسوبي التعليم، والتعاون في مجال تعليم اللغتين العربية والكورية في المعاهد والجامعات في كلا البلدين.

كما تضمنت الاتفاقية توسيع نطاق فرص زيادة التبادلات الثنائية بين جيل الشباب في البلدين، إيماناً بأهمية بناء قدرات الشباب كركيزة أساسية في التعاون الثنائي، والعمل المشترك في مجال التعليم من خلال توسيع التعاون بين المعاهد الأكاديمية، وتعزيز تبادل المنح الدراسية والفرص التعليمية، وتشجيع الزيارات الطلابية، وترجمة المواد العلمية والأدبية المتميزة ونشرها في الصحف العلمية.

ثالثاً: المشاركة الفاعلة في الاختبارات الدولية:

سعيًا لتعزيز مكانتها العالمية المرموقة في مجال التعليم، وإثراء تجارب الطلاب بخبرات عالمية نوعية، تسهم في صقل مواهبهم وتنمية مهاراتهم، حرصت المملكة على المشاركة الفعالة في الاختبارات الدولية الموثوقة مثل: (PISA, TIMSS, PIRLS).

رابعاً: المشاركة في المسابقات العلمية العالمية:

تحرص وزارة التعليم في المملكة العربية السعودية على المشاركة الدائمة في المسابقات العلمية العالمية المرموقة، انطلاقاً من عزمها على تحقيق قفزات نوعية في مجال التعليم، ومن أمثلة ذلك: المشاركة في أولمبياد البلقان للرياضيات التي انطلقت في العام 1984م، والمشاركة في أولمبياد العلوم الدولي للناشئين: (IJSO) التي تستهدف الطلاب والطالبات الذين تقل أعمارهم عن ستة عشر عامًا، وتهدف إلى تعزيز الاهتمام بالعلوم والرياضيات بين طلبة المدارس، والتأثير الإيجابي في تعليم العلوم والرياضيات والإسهام الفعال في تطورها.

خامساً: إطلاق برنامج تنمية القدرات البشرية:

منذ إطلاقه في عام 2021م، عمل برنامج تنمية القدرات البشرية على ضمان جاهزية المواطنين في جميع مراحل الحياة، وذلك من خلال الاستثمار الأمثل في المواهب والكفاءات الوطنية المتميزة، وضمان المواءمة الفعالة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل المتغيرة، وتعزيز ودعم ثقافة الابتكار وريادة الأعمال، وتطوير وإعادة تأهيل المهارات، بالإضافة إلى ترسيخ القيم النبيلة وتعزيزها، ونشر اللغة العربية والاعتزاز بها، بهدف الوصول إلى اقتصاد مزدهر تقوده قدرات وطنية ذات كفاءة عالية. وقد ركز البرنامج بشكل خاص على تطوير مهارات المستقبل الأساسية اللازمة لمستقبل العمل المتطور.

سادساً: تأسيس هيئة تقويم التعليم والتدريب:

تأسست هيئة تقويم التعليم والتدريب في عام 1438هـ، بموجب قرار مجلس الوزراء رقم (94)، بهدف الإشراف على عمليات التقويم والقياس، واعتماد المؤهلات في التعليم والتدريب في القطاعين العام والخاص، والعمل على رفع جودة تلك المؤهلات وكفاءتها، وجعلها مسهمة فاعلة في خدمة الاقتصاد والتنمية الوطنية. وتتضمن أهداف هيئة تقويم التعليم: تحسين نتائج تعلم الطلاب وأدائهم، وتعزيز تميز وجودة الممارسين في التعليم والتدريب، وتعزيز تميز وجودة مؤسسات وبرامج التعليم والتدريب، ونشر وتفعيل ثقافة التحسين المستمر لمنظومة التعليم والتدريب من خلال توصيات وقرارات قائمة على البيانات والبراهين لتقييم الاتجاهات والتحول الاستراتيجي، وتعزيز عملية صنع القرار، وبناء القدرات الداخلية للهيئة وتطويرها المستمر.

سابعاً: اختبارات القدرات العامة:

انطلاقاً من حرص المملكة العربية السعودية الدائم على تطوير التعليم، وتحسين مخرجاته، تم إطلاق مشروع اختبار القدرات العامة، وهو اختبار معياري يقيس القدرات اللفظية والرياضية المرتبطة بعمليات التعلم، كالقدرة التحليلية والاستدلالية والاستنباطية لدى خريجي المرحلة الثانوية العامة بكافة مساراتها، والراغبين في الالتحاق بمؤسسات التعليم العالي.

ومن الجدير بالذكر أن اختبار القدرات العامة يمثل فرصة ذهبية للطلاب لمراجعة وتثبيت المفاهيم الأساسية في الرياضيات والعلوم واللغة العربية. كما أن هذه الاختبارات تسهم في إثراء معارف الطلاب، وتعزيز فهمهم للمعلومات، وتمكينهم منها.

ثامناً: الشراكات الدولية والاستقطاب:

تحرص المملكة على بناء شراكات استراتيجية وتبادل الخبرات والمعرفة من خلال برنامج ‏استقطاب المدارس العالمية الذي تنفذه الهيئة الملكية لمدينة الرياض، والذي يهدف إلى جذب وافتتاح مدارس عالمية مرموقة في ‏العاصمة، بالشراكة الوثيقة مع وزارتي التعليم والاستثمار، وذلك في إطار سعي الهيئة الدؤوب لخلق بيئة تعليمية ‏عالية الجودة تتسم بالابتكار والإبداع؛ وتوفّر فرص تعلّم ووظيفية متميزة وطموحة، تواكب الرؤى التطويرية الطموحة لمدينة ‏الرياض، لتكون واحدة من أكبر وأهم اقتصاديات المدن في العالم. ‏

وأكدت الأستاذة هلا حلواني، المدير العام لتنمية قطاع التعليم في ‏الهيئة الملكية لمدينة الرياض: «أن المدارس العالمية المرموقة التي تم استقطابها إلى ‏العاصمة الرياض، مثل: (كينجز كوليدج) و (اس إي كاي التعليمية الدولية)، و(ألدنهام)، و(داوون هاوس)، و(ون وورلد العالمية) و(ريجيت جرامار)، و(بيتشهول)، ستساهم بشكل فعال في رفع كفاءة القطاع التعليمي في المملكة، من خلال جذب الخبرات التعليمية ‏العالمية المتميزة، وخلق فرص تعليمية رفيعة المستوى، تسهم في تحسين البيئة التعليمية ‏لسكان مدينة الرياض، من خلال تقديم فلسفات تعلّم جديدة ومبتكرة، ‏ومناهج تعليمية شاملة ومتكاملة».

وعلى مستوى التعليم الجامعي، وقعت الهيئة الملكية لتطوير مدينة الرياض اتفاقية استراتيجية لإنشاء مقر لجامعة (IE) الإسبانية الرائدة في أوروبا. كما وقعت وزارتا الاستثمار والتعليم اتفاقيتين مهمتين لفتح فروع لجامعة أريزونا الأمريكية، وجامعة ولونغونغ الأسترالية في المملكة العربية السعودية.

وختاماً، فإن المملكة العربية السعودية تواصل مسيرتها الحثيثة نحو التقدم والتطور، وتخطو خطوات واثقة، وتحقق نقلات نوعية ملموسة في مجال التعليم والبحث العلمي، مدفوعة بسعيها الدؤوب، وتطلعاتها الطموحة نحو تحقيق الجودة الشاملة والتميز المؤسسي المستدام في قطاع التعليم، وفقاً لأعلى المعايير العالمية المعتمدة.

@badrhussain1969

كاتب سوري

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة